فصل: 16- كتاب الحدود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


16- كتاب الحدود

959- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الحَد

1424- حدثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيّ البصري‏.‏ حدّثنا بِشْرُ بنُ عُمَر‏.‏ حدّثنا هَمّامٌ عنْ قَتَادَةَ، عنْ الحَسَنِ البصري عنْ عَلِي أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏رُفِعَ القَلَمُ عنْ ثَلاَثةٍ، عنْ النّائِمِ حتّى يَسْتَيقِظَ، وعنْ الصّبيّ حَتّى يَشِبّ، وعنْ المعْتوهِ حتّى يَعْقِلَ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثَ عَلِي حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عنْ عَلِي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ بَعْضُهُمْ، وعنْ الغُلاَمِ حَتّى يَحْتَلِمَ‏.‏ ولاَ نَعْرِفُ للحَسَنِ سَمَاعاً من عَلِي بن أبي بنِ طَالِبٍ‏.‏

وقَدْ رَوى هَذَا الْحَدِيث، عنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عنْ أبي ظَبْيَانَ، عنْ عَلِيّ بن أبي طالب، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذَا الحديِثِ‏.‏ وَرَوَاهُ الأعمَش، عنْ أبي ظَبْيَانَ، عنْ ابنِ عبّاسٍ، عنْ عَلِي مَوْقُوفاً ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا الحدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏

قال أبو عيسى قد كان الحسن في زمان علي وقد أدركه ولكنا لا نعرف له سماعاً منه‏.‏

وأبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري ‏(‏عن علي‏)‏ هو ابن أبي طالب رضي الله عنه ‏(‏رفع القلم‏)‏ كناية عن عدم التكليف ‏(‏عن ثلاثة‏)‏ قال السبكي الذي وقع في جميع الروايات ثلاثة بالهاء وفي بعض كتب الفقهاء ثلاث بغير هاء‏.‏ ولم أر له أصلاً قاله المناوي‏.‏ ‏(‏عن النائم‏)‏ ولا يزال مرتفعاً ‏(‏حتى يستيقظ‏)‏ من نومه وكذلك يقدر فيما بعده ‏(‏وعن الصبي حتى يشب‏)‏ وفي رواية حتى يحتلم وفي رواية‏:‏ حتى يكبر‏.‏ وفي رواية‏:‏ حتى يبلغ‏.‏ قال السبكي‏:‏ ليس في رواية‏:‏ حتى يكبر‏.‏ من البيان ولا في قوله‏:‏ حتى يبلغ‏.‏ ما في هذه الرواية يعني رواية‏:‏ حتى يحتلم‏.‏ فالتمسك بها لبيانها وصحة سندها أولى ‏(‏وعن المعتوه‏)‏ أي المجنون ونحوه ‏(‏حتى يعقل‏)‏ أي حتى يفيق من باب ضرب يضرب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه الدارمي وابن ماجه عن علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ أي من هذا الإسناد المذكور والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه أيضاً ‏(‏وقد روي من غير وجه عن علي‏)‏ أي روي هذا الحديث عن علي من أسانيد عديدة ‏(‏وروى بعضهم وعن الغلام حتى يحتلم‏)‏ أي مكان وعن الصبي حتى يشب ‏(‏ولا نعرف للحسن سماعاً من علي بن أبي طالب‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ سئل أبو زرعة هل سمع الحسن أحداً من البدريين‏؟‏ قال رآهم رؤية، رأى عثمان وعلياً‏.‏ قيل‏:‏ هل سمع منهما حديثاً‏؟‏ قال‏:‏ لا، رأى علياً بالمدينة، وخرج علي إلى الكوفة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد ذلك‏.‏ وقال الحسن‏:‏ رأيت الزبير يبايع علياً‏.‏ وقال علي ابن المديني لم ير علياً إلا أن كان بالمدينة وهو غلام انتهى‏.‏ فإن قلت قال النيموي اتصال الحسن بعلي ثابت بوجوه‏:‏ فمنها ما ذكره البخاري في تاريخه الصغير في ترجمة سليمان بن سالم القرشي العطار سمع علي بن زيد عن الحسن رأى علياً والزبير التزماً، ورأى عثمان وعلياً التزماً‏.‏ ومنها ما أخرجه المزي في تهذيب الكمال بإسناده عن يونس بن عبيد‏.‏ قال‏:‏ سألت الحسن قلت‏:‏ يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه‏.‏ قال‏.‏ يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى‏.‏ وكان في عمل الحجاج كل شيء‏.‏ سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً‏.‏ ومنها ما أخرجه أبو يعلى في مسنده حدثنا حوثرة بن أشرس، قال أخبرنا عقبة بن أبي الصهباء الباهلي، قال سمعت الحسن يقول سمعت علياً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر الحديث‏.‏ قال السيوطي في إتحاق الفرقة بوصل الخرقة قال محمد ابن الحسن الصيرفي شيخ شيوخنا هذا نص صريح في سماع الحسن من علي رضي الله عنه‏.‏ ورجاله ثقات حوثرة وثقة ابن حبان وعقبة وثقة أحمد وابن معين‏.‏ قلت‏:‏ أما ما ذكره البخاري ففي سنده على بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف كما في التقريب‏.‏ وأما قول يونس بن عبيد فلينظر كيف إسناده‏.‏ وأما ما أخرجه أبو يعلي فالظاهر صحته‏.‏ فإن كان خالياً عن علة خفية قادحة فلا شك أنه نص صريح في سماع الحسن من علي رضي الله عنه والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ورواه عن الأعمش‏)‏ ليس في بعض النسخ لفظ عن وهو الصحيح ‏(‏عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي موقوفاً ولم يرفعه‏)‏ قال البخاري في صحيحه‏:‏ قال علي ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ، قال الحافظ في الفتح وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي‏:‏ أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة‏؟‏ فذكره وتابعه ابن نمير ووكيع وغير واحد عن الأعمش ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع‏.‏ أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان مرفوعاً وموقوفاً‏.‏ لكن لم يذكر فيهما ابن عباس جعله عن أبي ظبيان عن علي ورجح الموقوف على المرفوع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وأخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور لكن اختلفوا في إيقاع طلاق الصبي فعن ابن المسيب والحسن بلزمه إذا عقل وميز وحده وعند أحمد أن يطيق الصيام، ويحصى الصلاة وعند عطاء إذا بلغ اثنا عشر سنة، وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام انتهى‏.‏ قلت وحديث الباب ظاهر فيما ترجم له الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو ظبيان‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الموحدة ‏(‏اسمه حصين بن جندب‏)‏ ابن الحارث الجنبي بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة الكوفي ثقة من الثانية‏.‏

960- باب مَا جَاءَ في دَرْءِ الْحُدود

1425- حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ الأسْوَدِ أَبُو عَمْروٍ البَصْرِيّ‏.‏ حدّثنَا مُحمّدُ بنُ رَبِيعَةَ‏.‏ حَدّثنَا يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ الدّمشْقِيّ عنْ الزهْرِيّ عن عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ادْرَءوا الْحُدُودَ عَنِ المُسْلِمينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلوا سَبِيلَهُ فَإنّ الإمَامَ آن يُخْطِيء في الْعَفْوِ خَيْرُ مِنْ أَنْ يُخْطِيءَ في الْعُقُوبَةِ‏"‏‏.‏

حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدثنا وَكِيعٌ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَادٍ نَحْوَ حَدِيثٍ مُحَمّدِ بنِ رَبِيعَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ عَائِشَةَ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بنِ رَبيعَةَ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَاد الدّمَشْقِيّ عن الزّهْرِيّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم ورَوَاهُ وَكِيعٌ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَادٍ نَحْوَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ ورِوَايَةُ وَكِيعٍ أَصَحّ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوَ هَذَا عن غَيْر وَاحِدٍ مِنْ أَصْحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُمْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَزِيدُ بنِ زِيَادٍ الدّمَشْقِيّ ضَعِيفٌ في الْحَدِيثِ وَيَزِيدُ بنُ أبِي زِيَادٍ الْكُوفِيّ أثْبَتُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ادرأوا الحدود‏)‏ بفتح الراء أمر من الدرء أي ادفعوا إيقاع الحدود ‏(‏ما استطعتم‏)‏ أي مدة استطاعتكم وقدر طاقتكم ‏(‏فإن كان له‏)‏ أي للحد المدلول عليه الحدود ‏(‏مخرج‏)‏ اسم مكان أي عذر يدفعه ‏(‏فخلوا سبيله‏)‏ أي اتركوا إجراء الحد على صاحبه‏.‏ ويجوز أن يكون ضمير له للمسلم المستفاد من المسلمين، ويؤيده ما ورد في رواية‏:‏ فإن وجدتم للمسلم مخرجاً‏.‏ فالمعنى اتركوه أو لا تتعرضوا له ‏(‏فإن الإمام إن يخطئ‏)‏ أي خطؤه ‏(‏في العفو‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏خير من أن يخطئ في العقوبة‏)‏ والجملة خبر إن ويؤيده ما في رواية‏:‏ لأن يخطئ بفتح اللام وهي لام الابتداء‏.‏ قال المظهر‏:‏ يعني ادفعوا الحدود ما استطعتم قبل أن تصل إلي فإن الإمام إذا سلك سبيل الخطأ في العفو الذي صدر منه خير من أن يسلك سبيل الخطأ في الحدود‏.‏ فإن الحدود إذا وصلت إليه وجب عليه الإنفاذ‏.‏ قال الطيبي نزل معنى هذا الحديث على معنى حديث‏:‏ تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب‏.‏ وجعل الخطاب في الحديث لعامة المسلمين ويمكن أن ينزل على حديث أبي هريرة في قصة رجل، وبريدة في قصة ماعز، فيكون الخطاب للأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل‏:‏ ‏"‏أبك جنون‏"‏‏؟‏ ثم قوله‏:‏ ‏"‏أحصنت‏"‏‏؟‏ ولماعز‏:‏ ‏"‏أبه جنون‏"‏‏؟‏ ثم قوله ‏"‏أشرب‏"‏‏؟‏ لأن كل هذا تنبيه على أن للإمام أن يدرأ الحدود بالشبهات انتهى‏.‏ قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه‏:‏ هذا التأويل متعين والتأويل الأول لا يلائمه‏.‏ قوله فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن عامة المسلمين مأمورون بالستر مطلقاً، ولا يناسبه أيضاً لفظ‏:‏ خير‏.‏ كما لا يخفى‏.‏ فالصواب أن الخطاب للأئمة، وأنه ينبغي لهم أن يدفعوا الحدود بكل عذر مما يمكن أن يدفع به كما وقع منه عليه الصلاة والسلام لماعز وغيره من تلقين الأعذار انتهى كلام القاري‏.‏ قال الطيبي فيكون قوله فإن الإمام مظهراً أقيم مقام المضمر على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثاً على إظهار الرأفة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف ولفظه‏:‏ ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو وهو بالواو، فأخرجه أبو داود والنسائي مرفوعاً ولفظه‏:‏ تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وفي الباب عن علي مرفوعاً‏:‏ أدرأوا الحدود بالشبهات‏.‏ وفيه المختار بن نافع قال البخاري‏:‏ وهو منكر الحديث، قال وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ أدرأوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم‏.‏ وروى عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضاً موقوفاً وروى منقطعاً وموقوفاً على عمر‏.‏ ورواه ابن حزم في كتاب الاتصال عن عمر موقوفاً عليه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ‏:‏ لأن أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات‏.‏ في مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ‏:‏ ادرأوا الحدود بالشبهات‏.‏ وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهات انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة الخ‏)‏ وأخرجه الحاكم والبيهقي ‏(‏وقد روى نحو هذا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل ذلك‏)‏ وقد تقدم آثارهم‏.‏

961- باب مَا جَاءَ في السّتْرِ عَلَى المسْلِم

1426- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ الأعْمَشِ عنْ أبي صَالِحِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ نَفّسَ عَنْ مؤمن كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنْيَا نَفّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الاَخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ الله في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ، والله في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ و ابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ الأعْمَشِ عنْ أبي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ رِوَايَةِ أبي عَوَانَةَ ورَوَى أسْبَاطُ بنُ مُحَمّدٍ عنْ الأعْمَشِ قَالَ حُدّثْتُ عَنْ أبي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وكان هذا أصح من الحديث الأول‏.‏

حدثنا بِذَلِكَ عُبَيْدُ بنُ أسْبَاطِ بنِ مُحَمّدٍ قَالَ حدثني أبي عنْ الأعْمَشِ بِهَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

1427- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثنَا الليْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنْ الزّهْرِيّ عنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولاَ يُسْلِمُهُ ومَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كانَ الله في حَاجَتِهِ ومَنْ فَرّجَ عنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرّجَ الله عنه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نفس‏)‏ من التنفيس أي فرج وأزال وكشف ‏(‏عن مسلم‏)‏ كربة بضم الكاف فعلة من الكرب وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح والنون فيها للإفراد والتحقير أي هما واحداً من همومها أي هم كان صغيراً كان أو كبيراً ‏(‏من كرب الدنيا‏)‏ أي بعض كربها أو كربة مبتداة من كربها ‏(‏نفس الله‏)‏ أي أزالها وفرجها ‏(‏عنه‏)‏ أي عن من نفس عن مسلم كربة ‏(‏من كرب الاَخرة‏)‏ أي يوم القيامة وتنفيس الكرب إحسان لهم وقد قال تعالى ‏{‏هل جزاء الإحسان إلا الإحسان‏}‏ وليس هذا منافياً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها‏}‏ لما ورد من أنها تجازي بمثلها وضعفها إلى عشرة إلى مائة إلى سبعمائة إلى غير حساب على أن كربة من كرب يوم القيامة تساوي عشراً أو أكثر من كرب الدنيا‏.‏ ويدل عليه تنوين التعظيم وتخصيص يوم القيامة دون يوم آخر والحاصل أن المضاعفة إما في الكمية أو في الكيفية ‏(‏من ستر على مسلم‏)‏ وفي حديث ابن عمر‏:‏ من ستر مسلماً أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه‏.‏ وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفاً بالفساد وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي فإذا رأى في معصية فينكرها بحسب القدرة، وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة‏.‏ كذا في شرح مسلم للنووي ‏(‏ستره الله في الدنيا والاَخرة‏)‏ أي لم يفضحه بإظهار عيوبه وذنوبه ‏(‏والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‏)‏ وفي حديث ابن عمر المتفق عليه‏.‏ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته‏.‏ أي من كان ساعياً في قضاء حاجته، وفيه تنبيه نبيه على فضيلة عون الأخ على أموره، وإشارة إلى أن المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية سواه كان بقلبه أو بدنه أو بهما لدفع المضار أو جلب المنافع إذ الكل عون‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عقبة بن عامر وابن عمر‏)‏ أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه عنه مرفوعاً أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد لفظه‏:‏ من ستر عورة أخيه فكأنما استحي موؤدة في قبرها‏.‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافاً كثيراً ذكرت بعضه في مختصر السنن انتهى‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضاً في هذا الباب‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح الخ‏)‏ أي بالاتصال بين الأعمش وأبي صالح ‏(‏وروى أسباط بن محمد قال حدثت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عن أبي صالح‏)‏‏.‏ ففي رواية أسباط انقطاع بين الأعمش وأبي صالح، فإن الأعمش لم يذكر من حدثه عن أبي صالح‏.‏ قال المنذري بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا‏:‏ رواه مسلم وأبو داود الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ليس في النسخ الحاضرة عندي تحسين الترمذي لهذا الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم عن أبيه‏)‏ أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ‏(‏المسلم أخو المسلم‏)‏ قال الله تعالى ‏(‏إنما المؤمنون إخوة‏)‏ ولا يسلمه بضم أوله وكسر اللام أي لا يخذله بل ينصره‏.‏ قال في النهاية‏:‏ أسلم فلان فلاناً إذا ألقاه في التهلكة، ولم يحمه من عدوه وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ الهمزة فيه للسلب أي لا يزيل سلمه وهو بكسر السين وفتحها الصلح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من كان في حاجة أخيه‏)‏ أي في قضائها ‏(‏ومن فرج‏)‏ من التفريج أي أزال وكشف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر‏)‏ هذا الحديث متفق عليه كما في المشكاة لكن لم يعزه المنذري في الترغيب إلى الشيخين بل عزاه إلى أبي داود والترمذي‏.‏

962- باب مَا جَاء في التّلْقِينِ في الحَد

1428- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عنْ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَحَق مَا بَلَغَنِي عَنْكَ‏؟‏ قَالَ مَا بَلَغَكَ عَنِي‏؟‏ قَالَ بَلَغَنِي أنّكَ وَقَعْتَ عَلى جَارِيَةِ آلِ فُلاَن‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَشَهِدَ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ‏"‏ قال وفي البابِ عنْ السّائِبِ بنِ يَزِيدَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ ابنِ عَبّاسِ حَدِيثٌ حسنٌ‏.‏ ورَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عنْ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لماعز‏)‏ بكسر العين المهملة وبالزاي ‏(‏أحق‏)‏ بهمزة الاستفهام وهو خبر مقدم لقوله ما بلغني عنك ‏(‏ما بلغك‏)‏ أي أي شيء بلغك ‏(‏وقعت على جارية آل فلان‏)‏ أي جامعتها ‏(‏فشهد أربع شهادات‏)‏ أي أقر على نفسه، كأنه شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد والحديث دليل على جواز التلقين في الحد‏.‏ قال الإمام البخاري في صحيحه باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت‏.‏ وذكر فيه حديث ابن عباس في قصته وفيه‏:‏ لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله الحديث‏.‏ قال الحافظ هذه الترجمة معقودة لجواز تلقين الإمام المقر بالحد ما يدفعه عنه وقد خصه بعضهم بمن يظن به أنه أخطأ أو جهل انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن السائب بن يزيد‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

963- باب مَا جَاءَ فِي درء الْحَدّ عن الْمعتَرِفِ إذَا رَجَع

1429- حدثنا أَبُو كُرَيبٍ‏.‏ حدّثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروٍ‏.‏ حدّثنا أبُو سَلَمةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏جَاءَ مَاعِزٌ الأسْلَمِيّ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ فَقَالَ إنّهُ قَدْ زَنَى فأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ جَاءَ مِنَ شّقّ الاَخَرِ‏.‏ فقَالَ يا رسول الله إِنّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ جَاءَ مِنَ شقّ الاَخَرِ فقَالَ يَا رَسولَ الله إنّهُ قَدْ زَنَى فَأَمَرَ بِهِ في الرّابِعَةِ فأُخْرِجَ إلَى الحَرّةِ فَرُجِمَ بِالحِجَارَةِ فَلَمّا وَجَدَ مَسّ الحِجَارَةِ فَرّ يَشْتَدّ حَتّى مَرّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وضَرَبهُ النّاسُ حَتّى مَاتَ‏.‏ فذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ فَرّ حِينَ وجدَ مَسّ الحِجَارَةِ ومَسّ المَوْتِ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَلا تَرَكْتُمُوهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْه عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ ورُوِيَ هَذَا الحدِيثُ، عن الزهري عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏

1430- حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِي‏.‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ أنبأنا مَعْمَرٌ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ، عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله‏:‏ ‏"‏أنّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ جَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَ بِالزّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ اعْتَرَفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ‏.‏ فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أبكَ جُنُونٌ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ‏.‏ قالَ أحْصَنْتَ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَم فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلّى‏.‏ فَلَمّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتّى مَاتَ‏.‏ فقَالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ خيراً وَلَم يُصَلّ عَلَيْهِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عَنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ أنّ الْمُعَتَرِفَ بِالزّنَا إذَا أقَرّ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرّاتٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدّ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسحاق وقال بعض أهل العلم إذا أقر على نفسه مرّة أقيم عليه الحدّ‏.‏ وهو قول مَالِكِ بنِ أنَسٍ وَالشّافِعَيّ‏.‏ وحُجّةُ من قالَ هَذَا القَوْلَ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ أنّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَقَالَ أحَدُهُمَا يَا رسولَ الله إنّ ابْنِي زَنَا بامْرَأَةِ هَذَا الْحَدِيث بِطُولِهِ‏.‏ وقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اغْدُ يا أُنَيْسُ علَى امْرَأَةِ هَذَا فإنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا‏"‏ ولَمْ يَقُلْ فإنْ اعْتَرَفَتْ أرْبَعَ مَرّاتٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إنه قد زنى‏)‏ هذا نقل بالمعنى كما لا يخفى إذ لفظه‏:‏ إني قد زنيت‏.‏ والمراد أن ما عزا قد زني‏.‏ قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ هذا هو الظاهر كما لا يخفي ‏(‏ثم جاء من الشق الاَخر‏)‏ أي بعد غيبته عن المجلس‏.‏ قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ ليس في هذا الحديث ما يدل على ذلك إلا أن عليه دليل آخر فلينظر ‏(‏فأمر به‏)‏ أي برجمه ‏(‏في الرابعة‏)‏ أي في المرة الرابعة من مجالس الاعتراف ‏(‏فأخرج‏)‏ بصيغة المجهول أي أمر بإخراجه ‏(‏إلى الحرة‏)‏ وهي بقعة ذات حجارة سود خارج المدينة ‏(‏فلما وجد مس الحجارة‏)‏ أي ألم إصابتها ‏(‏فر‏)‏ أي هرب ‏(‏يشتد‏)‏ بتشديد الدال أي يسعى وهو حال ‏(‏حتى مر برجل معه لحي جمل‏)‏ بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي عظم ذقنه وهو الذي ينبت عليه الأسنان ‏(‏فضربه‏)‏ أي الرجل ‏(‏به‏)‏ أي باللحي ‏(‏وضربه الناس‏)‏ أي آخرون بأشياء أخر ‏(‏ومس الموت‏)‏ عطف على مس الحجارة على سبيل البيان قال الطيبي‏:‏ قوله ذلك إذا جعل إشارة إلى المذكور السابق من فراره من مس الحجارة كأن قوله إنه فر حين وجد مس الحجارة تكراراً لأنه بيان ذلك، فيجب أن يكون ذلك مبهماً‏.‏ وقد فسر بما بعده كقوله تعالى ‏(‏وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين‏)‏ ولعله كرر لزيادة البيان انتهى‏.‏ ‏(‏هلا تركتموه‏)‏ وفي رواية هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه‏.‏ قال القاري أي عسى أن يرجع عن فعله فيرجع الله عليه بقبول توبته‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ فيه أن المقر على نفسه بالزنا لو قال ما زنيت أو كذبت أو رجعت سقط عنه الحد فلو رجع في أثناء إقامته عليه سقط الباقي‏.‏ وقال جمع‏:‏ لا يسقط إذ لو سقط لصار ماعز مقتولاً خطأ فتجب الدية على عواقل القاتلين‏.‏ قلنا‏:‏ إنه لم يرجع صريحاً لأنه هرب، وبالهرب لا يسقط الحد‏.‏ وتأويل قوله‏:‏ هلا تركتموه أي لينظر في أمره أهرب من ألم الحجارة أو رجع عن إقراره بالزنا‏؟‏ قال الطيبي‏:‏ قإن قلت إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذهم بقتله حيث فر فهل يلزمهم قود إذا قلت لا لأنه صلى الله عليه وسلم واخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفح بها الحد، وقد عرضت لهم شبهة أيضاً وهي إمضاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا جناح عليهم انتهى‏.‏ وفي شرح السنة‏:‏ فيه دليل على أن من أقر على نفسه بالزنا إذا رجع في خلال إقامة الحد فقال كذبت أو ما زنيت أو رجعت سقط ما بقي من الحد عنه، وكذلك السارق وشارب الخمر انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجه ‏(‏وروي هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله الخ‏)‏ أخرجه الترمذي عقيب قوله هذا بقوله حدثنا بذلك الحسن ابن علي الخلال الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى شهد على نفسه أربع شهادات‏)‏ أي أقر على نفسه كأنه شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد أربع مرات ‏(‏قال أبك جنون‏)‏‏؟‏ قال النووي‏:‏ إنما قال أبك جنون لتحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على إقرار ما يقتضي هلاكه مع أن له طريقاً في سقوط الإثم بالتوبة وهذا مبالغة في تحقيق حال المسلم وصيانة دمه، وإشارة إلى أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجري عليه ‏(‏قال أحصنت‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام أي هل تزوجت ‏(‏فلما أذلفته الحجارة‏)‏ أي أصابته بحدها فعقرته من ذلق الشيء طرفة ‏(‏فر‏)‏ أي هرب ‏(‏فأدرك‏)‏ بصيغة المجهول أي أدركه الناس من الإدراك بمعنى اللحوق ‏(‏فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً‏)‏ أي أثنى عليه ‏(‏ولم يصل عليه‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق‏:‏ وصلى عليه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏.‏ قال المنذري في حاشية السنن‏:‏ رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله‏:‏ وصلى عليه‏.‏ وذكر الحافظ روايات هؤلاء الأنفس وغيرهم ثم قال‏:‏ فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح بنفيها انتهى‏.‏ قال الإمام البخاري في صحيحه بعد رواية هذا الحديث‏:‏ ولم يقل يونس وابن جريج عن الزهري‏:‏ فصلى عليه‏.‏ سثل أبو عبد الله‏:‏ صلى عليه يصح‏؟‏ قال‏:‏ رواه معمر‏.‏ فقيل له‏:‏ رواه غير معمر‏؟‏ قال لا‏.‏ انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمراً روى هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصل عليه لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد‏.‏ فقد أخرج عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال‏:‏ فقيل يا رسول الله أتصلي عليه‏؟‏ قال ‏"‏لا‏"‏‏.‏ قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس‏.‏ فهذا الخير يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم‏.‏ ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني‏.‏ قال الحافظ ويتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها فقال له عمر‏:‏ أتصلي عليها وقد زنت‏؟‏ فقال ‏"‏لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم‏"‏ انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وحجتهم أحاديث الباب قال في شرح السنة يحتج بهذا الحديث يعني بحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب من اشتراط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد‏.‏ ويحتج أبو حنيفة بمجيئه من الجوانب الأربعة على أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس، ومن لم يشترط التكرار قال إنما ردة مرة بعد أخرى لشبهة داخلته في أمره‏.‏ ولذلك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏أبك جنون‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ وفي رواية‏:‏ فقال ‏"‏أشربت خمراً‏"‏‏؟‏ فقام رجل فاستنكهه فلا يجد منه ريح الخمر فقال ‏"‏أزنيت‏"‏‏:‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فأمر به فرجم فرد مرة بعد أخرى للكشف عن حاله، لا أن التكرار فيه شرط انتهى‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم‏:‏ إذا أقر على نفسه مرة أقيم عليه الحد، وهو قول مالك بن أنس والشافعي‏)‏ واختاره الشوكاني في النيل وأجاب عن جميع ما استدل به الأولون وقال في آخر كلامه‏:‏ وإذا قد تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد، بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس لأن تعدد الأمكنة فرع تعدد الإقرار الواقع فيها‏.‏ وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك وأيضاً لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعاً لم يستلزم كون مواضعة متعددة‏:‏ أما عقلاً فظاهر لأن الإقرار أربع مرات أو أكثر منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في إمكانه عاقل وأما شرعاً فليس في الشرع ما يدل على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلاً عن وجود ما يدل على أن ذلك شرط، ثم أجاب الشوكاني عن الروايات التي استدل بها الحنفية على اشتراط تعدد مواضع الإقرار، فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى النيل ‏(‏وحجة من قال هذا القول حديث أبي هريرة وزيد بن خالد‏:‏ أن رجلين اختصما الخ‏)‏ سيأتي هذا الحديث بطوله في باب الرجم على الثيب‏.‏ وأجاب الأولون عن هذا الحديث بأنه مطلق قيدته الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار أربع مرات وقد رد الشوكاني هذا الجواب في النيل فقال‏:‏ الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال ولا ظاهر لها‏.‏ وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة الحد بعد وقوع الإقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع‏.‏ ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك‏.‏ وظاهر السياقات مشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له أبك جنون‏؟‏ ثم سؤاله بعد ذلك لقومه‏.‏

فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الاقرار مرة على من كان أمره ملتبساً في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك‏.‏ وأحاديث إقامة الحد بعد الإقرار مرة واحدة على من كان معروفاً بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات انتهى‏.‏

964- باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَشْفع فِي الحُدُود

1431- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا اللّيْثُ، عن ابنِ شِهَابٍ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ أنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ المرْأَةِ الْمخزُومِيّةِ التِي سَرَقَتْ‏.‏ فَقالُوا مَنْ يُكَلّمُ فيهَا رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَالُوا مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاّ أسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكلّمَهُ أُسَامَةُ‏.‏ فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَتَشْفَعُ فِي حَد مِنْ حُدودِ الله‏؟‏ ثُمّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقالَ‏:‏ إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ‏.‏ وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ‏.‏ وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا‏"‏‏.‏ قال وفِي البَاب عنْ مَسْعُودِ بنِ العَجْمَاءِ وابن عُمَرَ وجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عَائِشَةُ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ويقال مسعود بن الأعجم وله هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن قريشاً أهمتهم‏)‏ وفي المشكاة أهمهم بالتذكير أي أحزنهم وأوقعهم في الهم‏.‏ قال التوربشتي يقال‏:‏ أهمني الأمر إذا قلقك وأحزنك ‏(‏شأن المرأة المخزومية‏)‏ أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش منهم أبو جهل وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة ‏(‏التي سرقت‏)‏ أي وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضاً‏.‏ وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ‏(‏فقالوا‏)‏ أي قومها ‏(‏من يكلم‏)‏ أي بالشفاعة ‏(‏فيها‏)‏ أي في شأنها ظناً منهم أن الحدود تندريء بالشفاعة كما أنها تندريء بالشبهة ‏(‏من يجتريء عليه‏)‏ أي من يتجاسر عليه ‏(‏إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع عطف بيان أو بدل من أسامة‏.‏ قال النووي‏:‏ معنى يجتريء بتجاسر عليه بطريق الإدلال وهذه منقبة ظاهرة لأسامة ‏(‏فكلمه أسامة‏)‏ أي فكلموا أسامة فكلمه أسامة ظناً منه أن كل شفاعة حسنة مقبولة، وذهولاً عن قوله تعالى ‏{‏من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها‏}‏‏.‏ ‏(‏أتشفع في حد من حدود الله‏)‏ الاستفهام للتوبيخ ‏(‏ثم قال فاختطب‏)‏ أي بالغ في خطبته أو أظهر خطبته قاله القاري‏.‏ وقال‏:‏ وهو أحسن من قول الشارح أي خطب ‏(‏إنما أهلك‏)‏ بصيغة الفاعل قال القاري‏:‏ وفي نسخة يعني من المشكاة على بناء المفعول ‏(‏الذين من قبلكم‏)‏ يحتمل كلهم أو بعضهم ‏(‏أنهم كانوا‏)‏ أي كونهم إذا سرق الخ أو ما أهلكهم إلا لأنهم كانوا والحصر ادعائي إذ كانت فيهم أمور كثيرة من جملتها- أنهم كانوا ‏(‏إذا شرق فيهم الشريف‏)‏ أي القوي ‏(‏تركوه‏)‏ أي بلا إقامة الحد عليه ‏(‏وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‏)‏ أي القطع أو غيره ‏(‏وأيم الله‏)‏ بهمزة وصل وسكون يا وضم وبكسر ويفتح همزة ويكسر ففي القاموس وأيمن الله وأيم الله بكسر أولهما وأيم الله بكسر الهمزة والميم، وهو اسم وضع للقسم‏.‏ والتقدير أيمن الله قسمي‏.‏ وفي النهاية‏:‏ وأيم الله من ألفاظ القسم وفي همزها الفتح والكسر والقطع والوصل‏.‏ وفي شرح الجزرية لابن المصنف‏:‏ الأصل فيها الكسر لأنها همزة وصل لسقوطها، وإنما فتحت في هذا الاسم لأنه ناب مناب حرف القسم وهو الواو ففتحت لفتحها وهو عند البصريين مفرد وعند سيبويه من اليمن بمعنى البركة، فكأنه قال بركة الله قسمي‏.‏ وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل لكثرة الاستعمال‏.‏ وفي المشارق لعياض‏:‏ وأيم الله بقطع الألف ووصلها أصله أيمن فلما كثر في كلامهم حذف النون فقالوا أم الله وم الله انتهى‏.‏ وفيه لغات كثيرة ذكرت في القاموس‏.‏ ‏(‏لو أن فاطمة بنت محمد الخ‏)‏ إنما ضرب المثل بفاطمة لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن مسعود بن العجماء ويقال ابن الأعجم وابن عمر وجابر‏)‏ أما حديث مسعود وجابر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي الباب عن الزبير بن العوام أنه لقي رجلاً قد أخذ سارقاً وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله‏.‏ فقال‏:‏ لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إنما الشفاعة قبل أن يبلغ إلى السلطان فإذا بلغ إليه فقد لعن الشافع والمشفع‏.‏ رواه مالك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

965- باب مَا جَاءَ في تَحْقِيقِ الرّجْم

1432- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ، عنْ دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ، عنْ سَعِيد بنِ المُسَيّبِ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ‏.‏ قالَ‏:‏ رَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَجَمَ أبُو بَكْرٍ ورَجمْتُ‏.‏ وَلَوْلاَ أنّي أكْرَهُ أنْ أزِيدَ فِي كِتَابِ الله لَكَتَبْتُهُ فِي المُصْحَفِ فَإنّي قَدْ خَشِيتُ أنْ تجِيءَ أقْوَامٌ فَلاَ يَجِدُونَهُ فِي كِتَاب الله فَيَكْفُرونَ بِهِ‏:‏ قال وفي البابِ عنْ عَلِي‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عُمرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ورُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمرَ‏.‏

1433- حدثنا سَلَمةُ بنُ شَبِيبٍ و إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ و الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ وغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ قالُوا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ عن مَعْمَر، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عنْ ابنِ عَبّاسٍ، عنْ عُمرَ بنِ الخَطّابِ قالَ‏:‏ إنّ الله بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم بِالحَقّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ فكَانَ فِيمَا أنْزَلَ عَلَيْهِ آيةُ الرّجْمِ فَرجَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَجمْنَا بَعْدَهُ وإني خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولَ قَائِلٌ لاَ نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ الله فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا الله‏.‏ ألاَ وإنّ الرّجْمَ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ وقَامَتْ البَيّنَةُ، أَوْ كَانَ حَبَلٌ أَوْ المستدافُ‏.‏

وفي الباب عن علي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروى من غير وجه عن عمر رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب‏)‏ هذا مقدمة للكلام وتوطية للمرام رفعاً للريبة ودفعاً للتهمة الناشئة من فقدان تلاوة آية الرجم بنسخها مع بقاء حكمها ‏(‏وكان فيما أنزل الله آية الرجم‏)‏ بالرفع على أنها اسم كان وفيما أنزل الله خبره وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم‏.‏ أي الثيب كذا فسره مالك في الموطإ‏.‏ قال القاري والأظهر تفسيرهما بالمحصن والمحصنة ‏(‏ورجمنا بعده‏)‏ أي تبعاً له وفيه إشارة إلى وقوع الإجماع بعده ‏(‏ألا‏)‏ حرف التنبيه ‏(‏وإن الرجم حق‏)‏ أي ثابت أو واجب ‏(‏على من زنى‏)‏ أي من الرجال والنساء ‏(‏إذا أحصن‏)‏ أي كان بالغاً عاقلاً قد تزوج حرة تزويجاً صحيحاً وجامعها ‏(‏أو الاعتراف‏)‏ أي الإقرار بالزنا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإني قد خشيت أن يجيء أقوام الخ‏)‏ قد وقع ما خشيه عمر رضي الله عنه فأنكر الرجم طائفة من الخوارج ومعظمهم وبعض المعتزلة، ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلى توقيف‏:‏ وقد أخرج عبد الرزاق والطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أن عمر قال‏:‏ سيجيء قوم يكذبون بالرجم الحديث‏.‏ ووقع في رواية سعيد بن إبراهيم عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة في حديث عمر عند النسائي‏:‏ وأن ناساً يقولون ما بال الرجم وإنما في كتاب الله الجلد‏.‏ ألا قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى أن عمر استحضر ناساً قالوا ذلك فرد عليهم كذا في فتح الباري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه البخاري قوله‏:‏ ‏(‏حديث عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأصله في الصحيحين‏.‏

966- باب مَا جَاءَ فِي الرّجْمِ عَلَى الثّيّب

1434- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ حدثنا سفيان بنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله بن عتبة سَمِعَهُ مِنْ أبي هُرَيْرَةَ وَ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ وشْبلٍ أَنّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمانِ فَقَامَ إليْهِ أَحَدُهُمَا وقَالَ أنَشُدُكَ الله يَا رَسُولَ الله لَما قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله‏.‏ فَقَالَ خصْمُهُ وكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ‏:‏ أجَلْ يَا رَسُولَ الله اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله وائذَنْ لي فَأَتَكَلّمَ إن ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا فَزَنَى بامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أنّ عَلَى ابْنِي الرّجْم فَفَدَيْتُ مِنْهُ بِمَائةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ ثُم لَقِيتُ نَاساً مِنْ أهْلِ العِلْمِ فَزَعَمُوا أنّ على ابْنِي جَلْدَ مَائةٍ وتَغْرِيبَ عام وَإنّمَا الرّجْمُ عَلَى امْرَأةِ هَذَا‏.‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَلأقْضِيَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله، المائةُ شَاةٍ والخَادِمُ رَدٌ عَلَيْكَ‏.‏ وعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مَائةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ واغْدُ يَا أنيْسُ عَلَى امْرَأةِ هَذَا فَإنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا‏.‏ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا‏"‏‏.‏

حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارَيّ‏.‏ حدثنا مَعْنُ حدثنا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وزَيْد بن خَالِد الجُهَني عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا الليْثُ عنْ ابنِ شِهَابٍ بِإسْنَادِهِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي بَكْرةٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ وأَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي سَعِيدٍ وابنِ عَبّاسٍ وجَابِر بنِ سَمُرَةَ وهَزّالٍ وبُرَيْدَةَ وسَلَمَةَ بن الْمُحَبّقِ وأَبِي بَرْزَةَ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْن‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ وزيْدِ بنِ خَالِدٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهَكذَا رَوَى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ ومَعْمَرٌ وغَيْرُ واحِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بن عتبة عَنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَوا بِهَذَا الإسْنَادِ عَنْ النّبي صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏إذَا زَنَتْ الأمَةُ فاجْلِدُوهَا فَإنْ زَنَتْ فِي الرّابِعَةِ فَبِيعُوهَا ولَوْ بِضَفِيرٍ‏"‏‏.‏ وَرَوَى سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وشِبْلٍ قَالُوا‏:‏ كُنّا عِنْدَ النّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ هَكَذَا رَوَى ابنُ عُيَيْنَةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعاً عنْ أَبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ وحدِيثُ ابنُ عُيَيْنَةَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ أَدْخَلَ حدِيثاً فِي حدِيثٍ‏.‏ والصّحيحُ مَا رَوَى محمد بن الوليد الزّبِيدِيّ ويُونُسُ بنُ عبيد وابنُ أَخِي الزّهْرِيّ، عنْ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا زَنَتْ الأمَةُ فاجلدوها‏"‏‏.‏ والزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله عن شبل بن خالد عن عبدالله بنِ مَالِكٍ الأوْسِيّ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا زَنَتْ الأمَةُ‏"‏‏.‏ وهَذَا الصّحِيحُ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيثِ‏.‏ وشِبْلُ بنُ خالِدٍ لَمْ يُدْرِكْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ إنّمَا رَوَى شِبْلٌ، عنْ عبْدِ الله بنِ مَالِكٍ الأوسِيّ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهَذَا الصّحِيحُ وَحَدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظِ‏.‏ ورُوِيَ عَنْهُ أنّهُ قالَ‏:‏ شِبْلُ بنُ حَامِدٍ وهُوَ خَطَأٌ إنّمَا هُوَ شِبلُ ابنُ خَالِدٍ ويُقَالُ أَيْضاً شِبْلُ بنُ خُلَيْدٍ‏.‏

1435- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا هُشَيْمٌ، عنْ مَنْصُورِ بنِ زَاذَانَ، عنْ الحَسَنِ، عنْ حِطّانَ بنِ عَبْدِ الله، عنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خُذُوا عَنّي فَقَدْ جَعَلَ الله لَهُنّ سَبِيلاً الثّيّبُ بِالثّيّبِ جلْدُ مَائةٍ ثمّ الرّجْمُ‏.‏ والبِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مائةٍ‏.‏ ونَفْيُ سَنَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ وأُبيّ بنُ كَعْب وعَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ وغَيْرِهِمْ‏.‏ قالَوا الثّيّببُ تجْلَدُ وترْجَمُ وَإلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وهُوَ قُوْلُ إسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وغَيْرِهِمَا‏:‏ الثّيّبُ إنّمَا عَلَيْهِ الرّجْمُ ولاَ يُجْلَدُ‏؟‏ وقَدْ رُوِيَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ حدِيثٍ فِي قِصّةِ مَاعِزٍ وغَيْرِهِ أَنّهُ أمَرَ بالرّجْمِ ولَمْ يَأْمُرْ أَنّ يُجْلَدَ قَبْلَ أَنْ يُرْجَمَ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وابنِ المُبَارَكِ والشّافِعيّ وأحْمَدَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشبل‏)‏ بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة هو ابن خالد أو ابن خليد كما صرح به الترمذي فيما بعد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ شبل بن حامد أو ابن خليد المزني مقبول من الثالثة انتهى‏.‏ وقد تفرد بذكر شبل في الحديث سفيان بن عيينة وهو وهم منه كما بينه الترمذي فيما بعد ‏(‏فقال أنشدك الله‏)‏ بصيغة المتكلم من باب نصر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أي أسألك بالله وضمن أنشدك معنى أذكرك‏.‏ فحذف الباء أي أذكرك رافعاً نشيدتي أي صوتي، هذا أصله ثم استعمل في كل مطلوب مؤكذ ولو لم يكن هناك رفع صوت‏.‏ وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل رفع الرجل صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم مع النهي عنه ثم أجاب عنه بأنه لم يبلغه النهي لكونه أعرابياً ‏(‏لما قضيت بيننا بكتاب الله‏)‏ لما بتشديد الميم بمعنى ألا‏.‏ وفي رواية الشيخين ألا قضيت‏.‏ قال الحافظ قيل فيه استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويل المصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الإسم، ويراد به النفي المحصور فيه المفعول‏.‏ والمعنى هنا‏:‏ لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله، ويحتمل أن تكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر‏.‏ تقديره‏:‏ أسألك بالله لا نفعل شيئاً إلا القضاء‏.‏ فالتأكيد إنما وقع لعدم التشاغل بغيره، لا لأن لقوله بكتاب الله مفهوماً والمراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده‏.‏ وقيل‏:‏ المراد القرآن وهو المتبادر‏.‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الأول أولى‏.‏ لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله بإتباع رسوله‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يراد بكتاب الله الاَية التي نسخت تلاوتها‏:‏ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما انتهى‏.‏ ‏(‏فقال خصمه وكان أفقه منه أجل‏)‏ بفتحتين وسكون اللام أي نعم‏.‏ قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ يحتمل أن يكون الراوي كان عارفاً بهما قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول، إما مطلقاً وإما في هذه القصة الخاصة، أو استدل بحسن أدبه في ياستئذانه وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه وتأكيده السؤال على فقهه‏.‏ وقد ورد أن حسن السؤال نصف العلم، وأورده ابن السني في كتاب رياضة المتعلمين حديثاً مرفوعاً بسند ضعيف قاله الحافظ‏.‏ ‏(‏اقض‏)‏ أي احكم ‏(‏إن ابني كان عسيفاً‏)‏ أي أجيراً ويطلق أيضاً على الخادم وعلى العبد ‏(‏على هذا‏)‏ ضمن على معنى عند بدليل رواية عمرو بن شعيب، وفي رواية محمد بن يوسف عسيفاً في أهل هذا، وكان الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سبباً لما وقع له معها كذا في الفتح ‏(‏فزنى‏)‏ أي الأجير ‏(‏بامرأته‏)‏ أي المستأجر ‏(‏فأخبروني‏)‏ أي بعض العلماء ‏(‏ففديت منه‏)‏ أي ابني ‏(‏بمائة شاة وخادم‏)‏ أي أعطيتهما فداء وبدلاً عن رجم ابني ‏(‏فزعموا‏)‏ أي قالوا- وفي رواية الشيخين- فأخبروني ‏(‏أن على ابني جلد مائة‏)‏ بفتح الجيم أي ضرب مائة جلدة لكونه غير محصن ‏(‏وتغريب عام‏)‏ أي إخراجه عن البلد سنة ‏(‏وإنما الرجم على امرأة هذا‏)‏ أي لأنها محصنة ‏(‏المائة شاة والخادم رد عليك‏)‏ أي مردود عليك ‏(‏واغد‏)‏ بضم الدال وهو أمر بالذهاب في الغدوة، كما أن رح أمر بالذهاب في الرواح، ثم استعمل كل في معنى الاَخر أي فاذهب ‏(‏يا أنيس‏)‏ تصغير أنس وهو ابن الضحاك الأسلمي ‏(‏على امرأة هذا‏)‏ أي إليها وفيه تضمين أي حاكماً إليها ‏(‏فإن اعترفت فارجمها‏)‏ قال القاري‏:‏ به أخذ مالك والشافعي في أنه يكفي في الإقرار مرة واحدة فإنه صلى الله عليه وسلم علق رجمها باعترافها ولم يشترط الأربع، كما هو مذهبنا‏.‏ وأجيب بأن المعنى فإن اعترفت الاعتراف المعهود وهو أربع مرات فارجمها انتهى‏.‏ قلت قد تقدم الكلام في هذا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني الخ‏)‏ ليس في هذه الرواية ذكر شبل وهو المحفوظ كما ستقف عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ورووا بهذا الإسناد‏)‏ أي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أي بدون ذكر شبل ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا زنت الأمة الخ‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وشبل بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إنما روى شبل عن عبد الله بن مالك الأوسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح وحديث ابن عيينة غير محفوظ‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ شبل بن حامد‏.‏ ويقال ابن خالد ويقال ابن خليد، ويقال ابن معبد المزني‏.‏ روي عن عبد الله بن مالك الأوسي حديث الوليدة إذا زنت فاجلدوها وعنه به عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كذا رواه أصحاب الزهري عنه وخالفهم ابن عيينة فروى عن الزهري عن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث العسيف ولم يتابع على ذلك رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وقال النسائي‏:‏ الصواب الأول‏.‏ قال‏:‏ وحديث ابن عيينة خطأ وروى البخاري حديث ابن عيينة فأسقط منه شبلاً‏.‏ قال الدوري عن ابن معين ليست لشبل صحبة انتهى‏.‏

‏(‏وروي عنه‏)‏ أي عن سفيان بن عيينة ‏(‏أنه قال شبل بن حامد وهو خطأ إنما هو شبل بن خالد ويقال أيضاً شبلي بن خليد‏)‏ بالتصغير وقد بسط الحافظ الكلام في هذا في تهذيب التهذيب إن شئت الوقوف عليه فارجع إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري ‏(‏عن حطان‏)‏ بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين ‏(‏بن عبد الله‏)‏ الرقاشي البصري ثقة من الثانية ‏(‏خذوا عني‏)‏ أي حكم حد الزنا ‏(‏فقد جعل الله لهن سبيلا‏)‏ أي حداً واضحاً وطريقاً ناصحاً في حق المحصن وغيره وهو بيان لقوله تعالى ‏{‏واللاتي يأتين الفاحشة إلى قوله أو يجعل الله لهن سبيلا‏}‏ ولم يقل عليه الصلاة والسلام لكم ليواق نظم القرآن، ومع هذا فيه تغليب للنساء لأنهن مبدأ للشهوة ومنتهى الفتنة‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ كان هذا القول حين شرع الحد في الزاني والزانية‏.‏ والسبيل ههنا الحد، لأنه لم يكن مشروعاً ذلك الوقت وكان الحكم فيه ما ذكر في كتاب الله ‏{‏واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا‏}‏‏.‏ ‏(‏الثيب بالثيب‏)‏ أي حدرنا الثيب بالثيب ‏(‏جلد مائة ثم الرجم‏)‏ استدل بهذا من قال إن الثيب يجلد ثم يرجم ‏(‏والبكر بالبكر جلد مائة‏)‏ أي حد زنا البكر بالبكر ضرب مائة جلدة لكل واحد منهما ‏(‏ونفى سنة‏)‏ أي وإخراجه عن البلد سنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحاق‏)‏ وهو قول داود الظاهري، وابن المنذر، وهو قول أحمد في رواية عنه‏.‏ واستدلوا بحديث الباب وغيره وبما رواه أحمد والبخاري عن الشعبي أن علياً رضي الله تعالى عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي أثر علي هذا وكذا في حديث الباب وغيره دليل على أنه يجمع للمحصن من الجلد والرجم ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد‏)‏ ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزاً بل اقتصر على رجمه‏.‏ قالوا وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخاً لحديث عبادة المذكور في الباب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ويجاب بمنع التأخر المدعي فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر، ولم يثبت ما يدل على ذلك‏.‏ ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضياً لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى‏.‏ ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان، فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن، كحديث عبادة المذكور‏.‏ ولا سيما وهو صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنخ فقال‏:‏ ‏"‏خذوا عني‏"‏‏.‏ فلا يصح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن، أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به‏.‏ قال وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ولا سيما كون المكان مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوماً من الكتاب والسنة‏.‏ قال‏:‏ وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدة من السنين، لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد‏:‏ جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله‏.‏ فكيف يخفي على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر انتهى كلام الشوكاني‏.‏ واستدل الجمهور أيضاً بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع‏.‏ لم لا يقال أن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد‏.‏ وأيضاً عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات وعدم العلم ليس علماً بالعدم، ومن علم حجة على من لم يعلم انتهى‏.‏

967- باب تربص الرجم

1436- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي‏.‏ حدّثنَا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ حدثنا مَعْمَر عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي المُهَلبِ، عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَة اعْتَرَفتْ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِالزّنَا فقَالَتْ إنَي حُبْلَى فَدَعَا النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلِيّهَا فقَالَ‏:‏ ‏"‏أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فأخْبِرْنِي فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا فشُدّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُها ثمّ أمَرَ بِرَجْمِهَا فرُجِمَتْ ثمّ صَلّى عَلَيْهَا فقَالَ لَهُ عُمر بنُ الخَطّابِ يَا رسول الله رَجَمْتَهَا ثمّ تُصَلّي عَلَيْهَا فقالَ‏:‏ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَو قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لوَسِعَتْهُمْ وهَلْ وَجَدْتَ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة من جهينة‏)‏ وهي الغامدية ‏(‏فقال أحسن إليها‏)‏ إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيراً من ذلك ‏(‏فشدت عليها ثيابها‏)‏ لئلا تنكشف عند وقوع الرجم عليها، لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الانسان‏.‏ ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائماً لما في ظهور عورة المرأة من الشفاعة ‏(‏ثم صلى عليها‏)‏ هذا نص صريح في أنه صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية‏.‏ واختلفت الروايات في صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز‏.‏ ففي صحيح البخاري من حديث جابر في أمر ماعز قال‏:‏ ثم أمر به فرجم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلى عليه‏.‏ ورواه الترمذي وقال حسن صحيح‏.‏ وفي رواية عن جابر عند الشيخين في أمر ماعز‏:‏ وقال له خيراً ولم يصل عليه‏.‏ وقد تقدم وجه الجمع بين هاتين الروايتين في كلام الحافظ المتقدم في باب درء الحد عن المعترف إذا رجع‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ واختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل قال الشافعي وآخرون‏:‏ يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم‏.‏ والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي‏.‏ وبه قال جماهير العلماء قالوا‏:‏ فيصلي على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم‏.‏ وقال الزهري‏:‏ لا يصلى أحد على المرجوم وقاتل نفسه‏.‏ وقال قتادة‏:‏ لا يصلي على ولد الزنا‏.‏ واحتج الجمهور بهذا الحديث، يعني بحديث الباب وفيه دلالة للشافعي على أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم‏.‏ وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين أحدهما- أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها‏.‏ والثاني- تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة‏.‏ وهذان الجوابان فاسدان، أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة، وأما الثاني فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطرت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه، وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال النووي والله تعالى أعلم ‏(‏وسعتهم‏)‏ وفي بعض النسخ لوسعتهم ‏(‏من أن جادت بنفسها لله‏)‏ أي أخرجها ودفعها كما يدفع الانسان ماله يجود به‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة‏.‏

968- باب مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أهْلِ الكِتَاب

1437- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ‏.‏ حدثنا مَعْنٌ‏.‏ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عنْ نَافِعِ، عنْ ابنِ عُمَرَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِياً ويَهُودِيّةً‏.‏

قال أبو عيسى وفِي الحَدِيثِ قِصّةٌ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1438- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِياً ويَهُودِيّةً‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ ابنِ عُمرَ والبَرَاءِ وَجَابِرٍ وابنِ أبي أوْفَى وعَبْدِ الله بنِ الحَارِثِ بنِ جزءٍ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ حديثٌ حسنٌ غَريبٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ الْعِلمِ قَالُوا إذَا اخْتَصَمَ أهْلُ الكِتَابِ وتَرَافَعُوا إلَى حُكّامِ المُسْلِمِينَ حَكَمُوا بَيْنهُمْ بالكِتَابِ والسّنّةِ وَبِأحْكَامِ المسْلِمِينَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ وقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِمْ الحَدّ في الزّنَا والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رجم يهودياً ويهودية‏)‏ فيه دليل لمن قال إن حد الزنا يقام على اليهود كما يقام على المسلمين وإن الاسلام ليس بشرط في الإحصان‏.‏ كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو يوسف في رواية‏.‏ وعند أبي حنيفة ومحمد والمالكية‏:‏ الاسلام شرط ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ رواها الشيخان وهي أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال‏:‏ ‏"‏ما تجدون في كتابكم‏"‏‏؟‏ فقالوا‏:‏ تسخم وجوههما ويخزيان‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏كذبتم، إن فيها الرجم‏"‏ فأتوا بالتوراة فاتلوها ‏"‏إن كنتم صادقين‏"‏ الخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان بطوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شريك‏)‏ هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر والبراء وجابر وابن أبي أوفى وعبد الله بن الحارث بن جزء وابن عباس‏)‏ أما حديث ابن عمر فقد أخرجه الترمذي في هذا الباب ولعله أشار إلى حديث آخر له في رجم أهل الكتاب‏.‏ وأما حديث البراء فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏ وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه أحمد ومسلم‏.‏ وأما حديث ابن أبي أوفى فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء فأخرجه البيهقي، قال الحافظ في التلخيص‏:‏ إسناده ضعيف‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر بن سمرة حديث حسن غريب من حديث جابر بن سمرة‏)‏ أشار بقوله من حديث جابر بن سمرة إلى وجه الغرابة فلا تكرار في العبارة فتفكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا اختصم أهل الكتاب الخ‏)‏ وحجتهم أحاديث الباب ‏(‏وقال بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنا‏)‏ قال ابن الهمام والشافعي‏:‏ يخالفنا في اشتراط الإسلام في الإحصان‏.‏ وكذا أبو يوسف في رواية‏.‏ وبه قال أحمد‏:‏ وقول مالك كقولنا فلو زنى الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عندهم لهذا الحديث يعني لحديث ابن عمر المتفق عليه‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ تمسك الحنفية في أن الاسلام شرط في الإحصان بحديث روى عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً‏:‏ من أشرك بالله فليس بمحصن‏:‏ ورجح الدارقطني وغيره الوقف وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين ومنهم من أول الاحصان في هذا الحديث بإحصان القذف انتهى‏.‏ وأجاب الحنفية عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة فإنه سألهم عن ذلك أولاً، وأن ذلك إنما كان عند ما قدم المدينة ثم نزلت آية حد الزنا وليس فيها اشتراط الإسلام ثم نزل حكم الإسلام فالرجم باشتراط الإحصان وإن كان غير متلو، علم ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏من أشرك بالله فليس بمحصن‏"‏‏.‏ ذكر هذا الجواب صاحب الهداية وغيره، ولا يخفي ما فيه من التعسف‏.‏ ولذ لم يرض به ابن الهمام حيث قال‏:‏ واعلم أن الأسهل مما أن يدعى أن يقال حين رجمهما‏:‏ كان الرجم ثبتت مشروعيته في الاسلام، وهو الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ما تجدون في التوراة في شأن الرجم‏"‏‏؟‏ ثم الظاهر كون اشتراط الإسلام لم يكن ثابتاً وإلا لم يرجمهم لانتساخ شريعتهم، وإنما كان يحكم بما نزل الله عليه‏.‏ وإنما سألهم عن الرجم ليبكتهم بتركهم ما أنزل عليهم فحكم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم‏.‏ وإذا لزم كون الرجم كان ثابتاً في شرعنا حال رجمهم بلا اشتراط الإسلام وقد ثبت الحديث المذكور المقيد لاشتراط الإسلام وليس تاريخ يعرف به‏.‏ أما تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه أو تأخره فيكون رجمه اليهوديين وقوله المذكور متعارضين‏.‏ فيطلب الترجيح والقول مقدم على الفعل انتهى‏.‏ قلت قد تقدم آنفاً في كلام الحافظ أن الدارقطني وغيره قد رجحوا وقف الحديث المذكور، وقال الدارقطني في سننه‏:‏ الصواب أنه موقوف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ لأنه يدل عليه أحاديث الباب وأما القول الثاني فمداره على أن الإسلام شرط في الإحصان واستدلوا عليه بحديث ابن عمر المذكور‏.‏ وقد عرفت أن الصواب وقفه والله تعالى أعلم‏.‏

969- باب مَا جَاءَ فِي النّفِي

‏(‏باب ما جاء في النفي‏)‏ المراد بالنفي التغريب وهو إخراج الزاني عن محل إقامته سنة

1439- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ و يَحْيَى بنُ أكْثَمَ قالاَ‏:‏ حدثنا عَبْدُ الله بنُ ادْرِيسَ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرّبَ وأنّ أبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ عُمَرَ ضَرَبَ وغَرّبَ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابنِ عُمرَ حدِيثٌ غَرِيبٌ‏.‏ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ إدْرِيسَ فَرَفَعُوهُ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الله بنِ إدْرِيسَ هَذَا الحَدِيثَ عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ عُمرَ ضَرَبَ وَغرّبَ‏.‏

حدثنا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الأشَج‏.‏ حدثنا عَبْدُ الله بنُ أدْرِيسَ‏.‏ وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غيْرِ رِوَايَةِ ابنِ ادْرِيسَ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ نَحْو هَذَا‏.‏ وهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ أَنّ أبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ عُمَرَ ضَرَبَ وغَرّبَ‏.‏ ولَمْ يَذْكُرْوا فِيهِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقَدْ صَحّ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم النّفْيُ‏.‏ رَوَاهُ أبُو هُرَيْرَةَ وزَيْدُ بنُ خَالِدٍ وعُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ وغَيْرُهمْ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أَبُو بَكْرٍ وعُمَرَ وعَلِيّ وأبيّ بنُ كعْبٍ وعَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ وأبُو ذَر وغَيْرُهُمْ‏.‏ وكَذلِكَ رُوِيَ عنْ غَيْرِ وَاحِدٍ منْ فُقَهَاءِ التّابِعِينَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ومَالِك بن أنَسٍ وعَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويحيى بن أكثم‏)‏ بالثاء المثلثة التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمى بسرقة الحديث، ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ضرب‏)‏ أي جلد الزاني والزانية مائة جلدة، ‏(‏وغرب‏)‏ من التغريب أي إخراج الزاني والزانية عن محل الإقامة سنة قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت‏)‏، أما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد فأخرجه الجماعة وفيه‏:‏ على ابنك جلد مائة وتغريب عام‏.‏ وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي وفيه‏:‏ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث غريب الخ‏)‏ وأخرجه النسائي والحاكم والدارقطني قال الحافظ في التلخيص وصححه ابن القطان ورجح الدارقطني وقفه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النفي رواه أبي هريرة الخ‏)‏ وفي الباب أحاديث أخرى مبسوطة في تخريج الهداية للزيلعي والتلخيص الحبير وغيرهما ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر‏)‏ كما في حديث الباب وروى محمد في الموطإ بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن رجلاً رقع على جارية بكر فأحبلها ثم اعترف على نفسه بأنه زنى ولم يكن أحصن، فأمر به أبو بكر الصديق فجلد الحد ثم نفي إلى فدك‏.‏ ومنهم عثمان رضي الله تعالى عنه فعند ابن أبي شيبة عن مولى عثمان أن عثمان جلد امرأة في زنا ثم أرسل بها إلى مولى يقال له المهدي إلى خيبر نفاها إليه‏.‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو القول الراجح المعول عليه‏.‏ وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الاجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين‏.‏ وقال ابن المنذر‏:‏ أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ثم قال‏:‏ إن عليه جلد مائة وتغريب عام‏.‏ وهو المبين لكتاب الله تعالى‏.‏ وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعاً‏.‏ وقال صاحب التعليق الممجد من العلماء الحنفية‏:‏ وللحنفية في الجواب عن أحاديث النفي مسالك‏:‏ الأول- القول بالنسخ ذكره صاحب الهداية وغيره وهو أمر لا سبيل إلى إثباته بعد ثبوت عمل الخلفاء به مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏ والثاني- أنها محمولة على التعزير بدليل ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا أغرب بعده مسلماً‏.‏ وأخرج محمد في كتاب الآثار وعبد الرزاق عن إبراهيم قال‏:‏ قال ابن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان وينفيان سنة‏.‏ قال وقال علي‏:‏ حسبهما من الفتنة أن ينفيا فإنه لو كان النفي حداً مشروعاً لما صدر عن عمر وعن علي مثله‏.‏ والثالث- أنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة على الكتاب، وهو موافق لأصولهم لا يسكت خصمهم انتهى‏.‏ قلت أما قول عمر رضي الله عنه‏:‏ لا أغرب بعده مسلماً فالظاهر أنه في شارب الخمر دون الزاني‏.‏ وأما قول علي رضي الله عنه فرواه عنه إبراهيم النخعي وليس له سماع منه‏.‏ قال أبو زرعة‏:‏ النخعي عن علي مرسل‏.‏ وقال ابن المديني‏:‏ لم يلق النخعي أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال أبو حاتم لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة، ولم يسمع منها، وأدرك أنساً ولم يسمع منه‏.‏ كذا في تهذيب التهذيب‏.‏ وأما قولهم بأنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة، ففيه أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائداً على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة وحديث جواز الوضوء بالنبيذ‏.‏

970- باب مَا جَاءَ أنّ الحُدّودَ كفّارَةٌ لاِءَهْلِه

1440- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عنْ الزّهْرِيّ عنْ أبي ادْرِيسَ الخَولاَنِيّ، عنْ عُبَادَة بنِ الصّامِتِ‏.‏ قالَ كُنّا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مجلس فقَالَ‏:‏ ‏"‏تُبَايِعُونِي عَلَى أنْ لاَ تُشْرِكُوا بالله شيئاً ولاَ تَسْرِقُوا وَلا تَزْنُوا قَرَأَ عَلَيْهِمُ الاَيةَ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله‏.‏ ومَنْ أصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ‏.‏ ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَسَتَرَه الله عَلَيْهِ فَهُو إلَى الله إنْ شَاءَ عَذّبَهُ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِي وجَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله وخُزَيمَةَ بنِ ثَابِتٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقالَ الشّافِعِيّ لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا البَاب أَنّ الحَدود يَكُونُ كَفّارَةً لأِهْلِهِا شَيْئاً أحْسَنَ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ‏.‏ قالَ الشّافِعِي‏:‏ وأُحِبّ لِمَنْ أصَابَ ذَنْباً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ أن يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ رَبّهِ وكَذَلِكَ رُوِيَ عنْ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ أنهمَا أَمَرَا رَجُلاً أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال تبايعوني‏)‏ وفي رواية الشيخين قال- وحوله عصابة من أصحابه- بايعوني‏.‏ والمبايعة هنا عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيهاً بالمعارضة المالية كما في قوله تعالى ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قرأ عليهم الاَية‏}‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ وقرأ الاَية كلها‏.‏ قال الحافظ هي قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً‏}‏ إلى آخرها، وهذه الاَية في سورة الممتحنة ‏{‏فمن وفى منكم‏}‏ أي ثبت على العهد ووفى بالتخفيف وفي الراء بالتشديد وهما بمعنى ‏(‏فأجره على الله‏)‏ أطلق على سبيل التفخيم لأنه لما أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما وأفصح في رواية للشيخين بتعيين العوض فقال بالجنة‏.‏ وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء ‏(‏فهو‏)‏ أي العقاب ‏(‏كفارة له‏)‏ قال النووي‏:‏ عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به‏}‏ فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة انتهى‏.‏ قال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أدري كفارة لأهلها أم لا‏؟‏ لكن حديث عبادة أصح إسناداً، ويمكن يعني على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعلمه بعد ذلك انتهى‏.‏ وقد بسط الحافظ الكلام هنا بسطاً حسناً فعليك أن تراجع الفتح‏:‏ ‏(‏فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له‏)‏ يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وقال بذلك طائفة، وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة‏.‏ ومع ذلك فلا يأمن من مكر الله لأنه لا اطلاع له، هل قبلت توبته أو لا‏؟‏ وقيل‏:‏ يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد فقيل‏:‏ يجوز أن يتوب سراً ويكفيه ذلك‏.‏ وقيل بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية‏.‏ وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلناً بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته، وإلا فلا‏.‏ كذا في الفتح‏.‏ قلت قول من قال يجوز أن يتوب سراً ويكفيه ذلك‏.‏ هو الظاهر وبه قال الشافعي وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كما ذكره الترمذي والله تعالى أعلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وجرير بن عبد الله وخزيمة بن ثابت‏)‏ أما حديث علي فأخرجه الترمذي وصححه الحاكم وهو عند الطبراني بإسناد حسن كذا في النيل وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه الشيخ‏:‏ وأما حديث خزيمة فأخرجه أحمد، قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبادة بن الصامت حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا رجلاً أن يستر على نفسه‏)‏ رواه محمد في الموطإ‏.‏ عن سعيد بن المسيب‏:‏ أن رجلاً من أسلم أتى أبا بكر فقال‏:‏ إن الاَخر قد زنى‏.‏ قال له أبو بكر‏:‏ هل ذكرت هذا لأحد غيري‏.‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ أبو بكر إلى تب الله عز وجل، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده‏.‏ قال سعيد فلم تقر به نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر فقال له عمر كما قال أبو بكر الخ‏.‏

971- باب مَا جَاءَ في إقَامَةِ الحَدّ عَلَى الإمَاء

1441- حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجّ‏.‏ حدثنا أَبُو خَالِدِ الأَحْمَرُ‏.‏ حدثنا الأعَمشُ، عنْ أَبي صَالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ثَلاَثاً بِكِتَابِ الله‏.‏ فَإنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ علي وأبي هريرة وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مَالِكٍ الأوْسِيّ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ رَأَوْا أنْ يُقِيمَ الرّجُلُ الحَدّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السّلْطَانِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ يَرفَعُ إلَى السّلْطَانِ ولاَ يُقِيمُ الحَدّ هُوَ بِنَفْسِهِ والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

1442- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدّثنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ‏.‏ حدثنا زَائِدَةُ بن قدامة، عنْ السّدّيّ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ‏.‏ قَالَ خَطَبَ عَلِيّ فَقالَ‏:‏ يَا أيّهَا النّاسُ أقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى أَرِقّائِكُمْ مَنْ أحْصَنَ مِنْهُمْ ومَنْ لَمْ يُحْصِنْ وإنّ أَمَةً لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أن أجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فإذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدِ بِنِفَاسِ فَخَشِيْتُ إنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أقْتُلَهَا أوْ قالَ تَمُوتَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ‏.‏ فقَالَ‏:‏ ‏"‏أحْسَنْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والدّى اسمه اسماعيل بن عبدالرحمن وهو من التابعين قد سمع من أنس بن مالك ورأى حسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس‏)‏ أي يا أيها المؤمنون ‏(‏أقيموا الحدود على أرقائكم‏)‏ بتشديد القاف جمع رقيق أي من عبادكم وإمائكم ‏(‏من أحصن‏)‏ أي تزوج ‏(‏منهم‏)‏ أي ومنهم ففيه حذف وتغليب ‏(‏ومن لم يحصن‏)‏ قال الطيبي وتقييد الأرقاء بالإحصان مع أن الحرية شرط الإحصان يراد به كونهن مزوجات لقوله تعالى ‏{‏فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ حيث وصفهن بالإحصان فقال فإذا أحصن‏.‏ وحكم ‏(‏وإن‏)‏ وفي رواية مسلم فإن ‏(‏فإذا هي حديثة عهد‏)‏ أي جديدة زمان ‏(‏فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها‏)‏ قال الطيبي هو مفعول فخشيت وجلدتها مفسر لعامل أنا المقدر بعد إن الشرطية‏.‏ كقول الحماسي‏:‏

وإن أنت لم تحمل على النفس ضيمهافليس إلى حسن الثناء سبيل

وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام المعترض فيه بين الفعل ومفعوله ‏(‏أو نموت‏)‏ شك من الراوي ‏(‏فقال أحسنت‏)‏ فيه أن جلد ذات النفاس يؤخر حتى تخرج من نفاسها لأن نفاسها نوع مرض فتؤخر إلى زمان البرء قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا زنت أمة أحدكم فليجدها ثلاثاً الخ‏)‏ كذا وقع في رواية الترمذي ووقع في رواية الشيخين هكذا‏:‏ إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر‏.‏ ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكر فيه الرابعة الحد والبيع‏.‏ كذا في المنتقى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ قوله فليبعها ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف يعني صاحب المنتقى عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة‏.‏ وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال‏:‏ إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلاً على ذلك بقوله فليبعها‏.‏ وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود قاله الشوكاني‏.‏

‏(‏ولو بحبل من شعر‏)‏ بفتح العين ويسكن أي وإن كان ثمنها قليلاً‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وهذا البيع المأمور به مستحب‏.‏ وقال أهل الظاهر‏:‏ هو واجب وفيه جواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير إذا كان البائع عالماً وإن كان جاهلاً ففيه خلاف لأصحاب مالك، فإنهم لا يجوزونه خلافاً للجمهور‏.‏ فإن قيل كيف يكره شيئاً لنفسه ويرتضيه لأخيه المسلم‏؟‏ فالجواب لعل الزانية تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه، أو يصونها لهيبته، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها، أو يزوجها أو غير ذلك انتهى ملخصاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن زيد بن خالد وشبل عن عبد الله بن مالك الأوسي‏)‏ تقدم في باب الرجم على الثيب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رأوا أن يقيم الرجل الحد على مملوكه دون السلطان وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ واحتجوا بأحاديث الباب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ أحاديث الباب فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه‏.‏ وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي‏.‏ وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم إمام، وإلا كان إلى سيده‏.‏ وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر بحدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبداً لسيدها، فأمر حدها إلى السيد‏.‏ واستثنى مالك أيضاً القطع في السرقة، وهو وجه للشافعية، وفي وجه لهم آخر يستثنى حد الشرب‏.‏ وروي عن الثوري والأوزاعي أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا، وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجوداً أو معدوماً وبين أن يكون السيد صالحاً لإقامة الحد أم لا‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ يقيمه السيد إلا إذا كان كافراً ‏(‏وقال بعضهم يدفع إلى السلطان ولا يقيم الحد هو بنفسه‏)‏ وهو قول الحنفية‏.‏ وقد احتج من قال إنه لا يقيم الحدود مطلقاً إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول‏:‏ الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ لا نعلم له مخالفاً من الصحابة‏.‏ وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه اثنا عشر صحابياً وظاهر أحاديث الباب أن الأمة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا‏.‏ وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت‏.‏ ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة، وأخرجه أيضاً البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه‏.‏ وأخرجه أيضاً عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته‏.‏ وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبداً له زنى‏.‏ وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها‏.‏ وأخرج أيضاً أن حفصة قتلت جارية لها سحرنها‏.‏ وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت‏.‏ ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ لدلالة أحاديث الباب عليه‏.‏

972- باب ما جَاءَ في حَدّ السكْران

1443- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ‏.‏ حدثنا أبي عنْ مِسْعَرٍ، عنْ زَيد العَمّيّ، عنْ أبي الصدّيقِ، عنْ أبي سَعِيد الخُدْرِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ الحَدّ بِنَعْلَيْنِ أرْبَعينَ‏"‏ قالَ مِسْعرٌ‏:‏ أظنهُ فِي الخَمْرِ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِي وعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أزْهرَ وأبي هُرَيْرَةَ والسّائبِ وابنِ عَبّاسٍ وعُقبة بن الحَارِثِ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حسنٌ‏.‏ وأبُو الصّدّيقِ النّاجِيّ اسْمهُ بكرُ بنُ عَمْروٍ ويقال بكر بن قيس‏.‏

1444- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا محمدُ بنُ جَعفَرٍ‏.‏ حدثنا شُعبةُ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يحدّثُ، عنْ أنَسٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنّهُ أُتِيَ برجُلٍ قدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَضَرَبَهُ بجرَيدَتْينِ نحوَ الأربَعينَ‏"‏‏.‏ وفعَلَهُ أبو بكْر فَلَمّا كَانَ عمرُ استشارَ الناسَ فقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوْفٍ كأَخَفّ الحُدودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بهِ عُمرُ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أَنسٍ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ والعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ منْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أن حَدّ السّكْرانِ ثَمَانُونَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مسعر‏)‏ بكسر الميم وسكون السين وفتح العين وبالراء المهملات هو ابن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانية ثقة ثبت، قوله‏:‏ ‏(‏ضرب الحد بنعلين أربعين‏)‏ وفي رواية أحمد جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطاً قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وعبد الرحمن بن أزهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة ابن الحارث‏)‏ أما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه مسلم وفيه‏:‏ فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك‏.‏ ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي‏.‏ وأما حديث عبد الرحمن بن أزهر فأخرجه أبو داود‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عنه قال‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب وقال‏:‏ أضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه الحديث‏.‏ وأما حديث السائب وهو ابن يزيد فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال‏:‏ كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمرة أبي بكر وصدرا من إمرة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدراً من إمرة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم في المستدرك عنه‏:‏ أن الشرب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي، وكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، إلى أن قال فقال عمر ماذا ترون الحديث‏.‏ وأما حديث عقبة بن الحارث فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال جيء بالنعمان أو ابن النعمان شارباً فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وتقدم لفظه ‏(‏أبو الصديق‏)‏ بكسر الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة ‏(‏الناجي‏)‏ بالنون والجيم ‏(‏اسمه بكر بن عمرو‏)‏ وقيل ابن قيس بصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجريدتين‏)‏ الجريدة سعفة النخل سميت بها لكونها مجردة عن الخوص وهو ورق النخل ‏(‏نحو الأربعين‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين‏.‏ وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين كذا في المشكاة ‏(‏فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود ثمانين‏)‏ أي أرى أن تجعل ثمانين كأخف الحدود كما في رواية مسلم، وروى مالك في الموطإ عن ثور بن زيد الديلمي قال‏:‏ إن عمر استشار في حد الخمر فقال له علي أرى أن تجلده ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فجلد عمر في حد الخمر ثمانين‏.‏ قال ابن الهمام ولا مانع من كون كل من علي وعبد الرحمن بن عوف أشار بذلك فروى الحديث مقتصراً على هذا مرة وعلى هذا أخرى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن حد السكران ثمانون‏)‏ قال القاري في المرقاة وأجمع عليه الصحابة فلا يجوز لأحد المخالفة انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل قد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكران ثمانون جلدة‏.‏ وذهب أحمد وداود وأبو ثور والشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وقعلها علي في زمن عثمان‏.‏ واستدل الأولون بأن عمر جلد ثمانين بعد ما استشار الصحابة‏.‏ قال ودعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار معين، بل جلد تارة بالجريدة وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين‏.‏ ولهذا قال أنس نحو أربعين‏.‏ فالأولى الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة فأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث‏:‏ من شرب الخمر فاجلدوه‏.‏ فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بين يديه‏.‏ ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره انتهى‏.‏ قلت قد وقع في بعض الروايات أربعين بالجزم كما عرفت‏.‏

973- باب مَا جَاءَ مَن شَربَ الخَمرَ فاجْلِدُوه ومن عَادَ في الرّابِعةِ فاقْتلُوه

1445- حدثنا أبو كُريبٍ‏.‏ حدثنا أبُو بكرِ بنِ عَيّاشٍ، عنْ عَاصم بن بهولة عنْ أبي صَالحٍ، عنْ مُعَاوِيةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَن شرِبَ الخَمرَ فاجْلِدُوه فإنْ عَادَ في الرّابِعَةِ فاقْتلُوه‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ والشَرِيدِ وشُرَحبِيلَ بنِ أَوْسٍ وجَريرِ وأبي الرمَدِ البَلَوِيّ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ معَاوِيةَ هَكذَا رَوَى الثّورِيّ أيضاً، عنْ عَاصمٍ، عنْ أبي صالحٍ، عنْ مُعَاوِيةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ورَوَى ابنُ جريح ومَعمرٌ، عنْ سُهَيلِ بنِ أبي صالِحٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال سَمِعْتُ مُحَمداً يقولُ حدِيثُ أبي صَالحٍ عنْ مُعَاوِيةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم في هَذا أصحّ مِنْ حدِيثِ أبي صَالحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإنّما كَانَ هَذا في أوّلِ الأمرِ ثمّ نُسِخَ بعدُ‏.‏ هَكذَا رَوَى محمدُ بنُ إسْحَاقَ، عنْ محمد بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جَابرِ بنِ عَبدِ الله، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إنّ مَنْ شَربَ الخَمرَ فاجْلِدوه فإنْ عَادَ في الرّابعَةِ فاقْتلُوه‏"‏‏.‏ قالَ ثمّ أُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلكَ برجُلٍ قدْ شرِبَ في الرّابعةِ فَضَرَبَهُ ولَمْ يَقْتُلْهُ‏.‏ وكذَلِكَ رَوَى الزّهرِيّ، عنْ قَبِيصةَ بنِ ذُؤيبٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَ هَذا قالَ فَرُفِعَ القَتْلُ وكَانتْ رُخْصَةً‏.‏

وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِندَ عَامّةِ أَهْلِ العِلْمِ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفاً فِي ذَلِكَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ‏.‏ وَمِمّا يُقَوّى هَذا مَا رُوِى عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، أنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَحلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إله إلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بِإحْدَى ثَلاَثٍ‏:‏ النّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالثَيبُ الزّانِي، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم‏)‏ هو ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود الكوفي المقري صدوق له أوهام حجة في القراءة ‏(‏فإن عاد في الرابعة فاقتلوه‏)‏ قال القاري المراد الضرب الشديد أو الأمر للوعيد فإنه لم يذهب أحد قديماً أو حديثاً إلى أن شارب الخمر يقتل‏.‏ وقيل كان ذلك في ابتداء الإسلام ثم نسخ انتهى‏.‏ قلت إلى هذا القول الأخير ذهب الترمذي واختاره‏.‏ وأما قول القاري بأنه لم يذهب أحد الخ ففيه نظر فإنه قد ذهب إليه شرذمة قليلة كما نقله القاري نفسه عن القاضي عياض‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرمد البلوي وعبد الله بن عمرو‏)‏، أما حديث أبي هريرة فأخرجه الخمسة إلا الترمذي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه‏"‏‏.‏ فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه‏.‏ وزاد أحمد قال الزهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله‏.‏ كذا في المنتقي ورواه ابن حبان في صحيحه وقال معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم انتهى‏.‏ ورواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط مسلم‏.‏ وأما حديث الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك‏.‏ وأما حديث شرحبيل فأخرجه الحاكم والطبراني‏.‏ وأما حديث جرير وهو ابن عبد الله فأخرجه أيضاً الحاكم والطبراني‏.‏ وأما حديث أبي الرمد البلوي فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه‏.‏ قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم عليّ أن أقتله كذا في المنتقى‏.‏

قال الشوكاني في النيل وهو حديث منقطع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏سمعت محمداً‏)‏ هذا قول الترمذي ومحمد هذا هو الإمام البخاري رحمه الله ‏(‏حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح الخ‏)‏ أخرجه الخمسة إلا النسائي وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه‏.‏ قال الذهبي في مختصره‏:‏ هو صحيح‏.‏ وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كذا في نصب الراية ‏(‏وإنما كان هذا‏)‏ أي قتل شارب الخمر إذا عاد في الرابعة ‏(‏في أول الأمر‏)‏ أي في ابتداء الاسلام ‏(‏ثم نسخ بعد‏)‏ بضم الدال أي بعد ذلك ‏(‏هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ وصله النسائي في سننه الكبرى ورواه البزار في مسنده عن ابن إسحاق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد فكان نسخاً ‏(‏وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذويب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة‏)‏ وصله أبو داود في سننه‏.‏ وقال المنذري قال الإمام الشافعي رحمه الله والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره‏.‏ وقال غيره‏:‏ قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجباً ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل‏.‏ هذا آخر كلامه وقال غيره‏:‏ أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه، إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث‏.‏ وهو عند الكافة منسوخ هذ آخر كلامه‏.‏ وقبيصة بن ذويب ولد عام الفتح وقيل إنه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعده الأئمة من التابعين‏.‏ وذكروا أنه سمع من الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذويب قال كان من علماء هذه الأمة‏.‏ وأما أبوه ذويب بن حلحلة فله صحبة انتهى كلام المنذري‏.‏ ‏(‏والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم يبنهم اختلافاً في ذلك في القديم والحديث‏)‏ وقال الترمذي في آخر كتاب العلل‏:‏ إن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم قال الشوكاني في النيل وقد اختلف العلماء هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا‏؟‏ فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الاجماع على عدم القتل‏.‏ وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمرو‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ انتهى‏.‏